~قصة :عدم الإمكان~
أنا سيدة جميلة في العشرين من عمري ..بدأت حياتي بطفولة تعيسة جداً ..كان أبي غنيِّاً و لكنَّهُ بخيل جداً ..شرس حاد الطباع ..يتهور لدرجة القسوة ؛فيضربنا جميعاً ضرباً مبرحاً ..و العجيب أنَّهُ كان يضرب أمي ..و الأعجب أنَّهُ كان يضرب أمه ..يدخل البيت مُقطَب الحاجبين ..و لا يُلقي كلمة تحية ..فينزوي كل من في البيت في رعب ..
و كان أبي يضطهدني أكثر من باقي إخوتي لأني كنت دائمة الرسوب ..و لم يكن يعلم أني أرسب بسببه ،و بسبب الرعب الذي وضعه في قلبي ..
و سافر أبي إلى بلد بعيد في إحدى السنوات ..فبدأت أنجح في المدرسة و أتفوق و أطلع الأولى ..و أحببت المدرسة و مرت سنتان و أنا على تفوقي ..ثم بلغت السادسة عشرة و بدأ الخُطاب يتقدمون لي و أبي يضغط عليَّ لأتزوج ..و كنتُ أسمعهُ يقول :إن البنات نكبة على الحياة ،و الحل الوحيد للخلاص منهن هو الزواج .. و كان أحياناً يشتمني ..و مرة يضربني ..و مرة هددني بالقتل إن لم أتزوج ..و أمي كانت في هذه الأحداث بين نارين ..فهي تعطف علينا و لكن ما بالبيد حيلة ..و هكذا وجدت نفسي مُجبرة على الزواج ..
و صدقني ..لقد ألقوا بي كما يلقون بكلب في الشارع ،و وجدت نفسي مع رجل طيب يحبني و يغار عليَّ ..و لكنه بخيل و سمج لا يعرف الذوق في ألفاظه و لا في معاملته ..دائم النقد لكل الناس ..
و برغم أن زوجي كان أكثر عطفاً إلا أني كنت أسعد حالاً في المدرسة.. كانت لي هوايات أمارسها ..و كانت لي شخصية ..و كانت لي أحلام ..كنت أحلم بأن أجرب الحب و أذوقه ..و لكني كنت أخاف من الحبس في البيت و الضرب و القتل ..
أما الآن ..فإني أشعر أن حياتي انتهت ..و لم تعد لي هوايات ..و لم أعد أتمتع بالجلوس مع صديقاتي ..و لم أعد أجد اللذة في ثرثرة زمان ..فقدت صبري ..و فقدت إيماني ..و لم أعد أطيق شيئاً ..
الشئ الوحيد الذي أصبحت أحبه هو الخروج ،بشرط أن أكون وحدي ..أسير في الشارع ..ترن الموسيقى في أذني ..و لكن زوجي يلازمني في كل خطوة ..
إن زوجي عبء ..عبء فظيع ..و أولادي عبء ..و بيتي عبء ..لا تقل لي ..أحبي زوجك ..فهذا مستحيل ..لا تقل لي اشغلي نفسك بهواية أو دراسة ..
إني أشعر بهبوط في نفسي باستمرار ..و هبوط في جسدي و صداع أليم و عجز عن كل شئ ..
-- --
رد د/مصطفى محمود رحمه اللَّه..
سيدتي ..
أنتِ سجينة في بيتك ،و لكنك قد سجنتيني أنا أيضاً في أفكاري ..و كتفت يدي و جعلت كل الحلول غير ممكنة ..و غير مقبولة ..
و حينما يُحاط الإنسان بعدم الإمكان من كل طريق و تُسد عليه المنافذ ..
لا تبقى له إلا بطولة واحدة ..هي بطولة الخضوع ..و الاحتمال ..
و عزاؤك أننا جميعاً مثلك إلى حد ما ..أبطال قصة مفلسة فاشلة ..نهايتها الموت ..برغم كل آمالنا و أحلامنا ..كلنا نذبل على فروعنا و نموت عطشاً ..و الماء حولنا ..و الشمس فوق رؤوسنا ..
اكتبي قصتك على فصول طويلة ..فأسلوبك جميل ..و أنا أحب أن أقرأ شيئاً عن الصعيد ..كيف يعيش الناس هناك ..و يفكرون و يحلمون و يموتون ...
~٥٥ مشكلة حب ..
د /مصطفى محمود رحمه اللَّه..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق